الاثنين, 23 أغسطس 2010 09:09
حرب العراق لم تنته بعد. ولا منتصر فيها. هذا ما خلص إليه الخبير في «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية» الأميركي انطوني كوردسمان في تقرير تحت عنوان «العراق والولايات المتحدة: خلق شراكة حقيقية».
ليس تشاؤما، وإنما كوردسمان يعتبر هذه المرحلة، بعد انسحاب القوات الأميركية القتالية، بأنها «الأكثر أهمية بالنسبة للعراق منذ الغزو في 2003»، فبغضّ النظر عن الأسباب التي أدت إلى شن هذه الحرب، فإن «كل شيء يعتمد الآن على نجاح عملية الانتقال إلى حكومة عراقية فاعلة وموحدة، وقوات عراقية قادرة على تحقيق الأمن والاستقرار»، مرجّحاً أن يستغرق «إنشاء مثل هذه الدولة ما لا يقل عن خمس سنوات أخرى، وربما عشر».
لماذا؟ لأن العراق لا يزال يواجه «تمردا» خطيرا و«توترات عرقية وطائفية عميقة»، فضلاً عن أن اقتصاده، رغم الثروة النفطية الهائلة التي يختزنها، لا يزال «واحداً من أفقر اقتصادات البلدان في العالم» من حيث نصيب الفرد من الدخل، فيما يواجه للعام الثاني على التوالي أزمة ميزانية أجبرته على تكريس معظم صناديق الدولة لدفع الرواتب والحفاظ على العمالة على حساب التنمية وتعزيز قواته الأمنية.
ويدعو كوردسمان إلى «مساعدة العراق لأن ذلك يخدم المصالح الأميركية الاستراتيجية والحيوية»، مخالفاً بذلك ما يريده «العديد من الأميركيين، وبينهم أعضاء في الكونغرس، التواقين إلى نسيان تلك الحرب ويدفعون نحو تقليص الدور الأميركي في العراق».
وقال كوردسمان إن «حصول وزارتي الدفاع والخارجية على الدعم الكافي لخلق استراتيجية تعاون حقيقية مع العراق، يعتمد كثيرا على الحكومة العراقية الجديدة»، أولاً لناحية موافقتها على إقامة مثل هذا التعاون، وثانياً لناحية قدرتها على تأمين حاجات كل العراقيين وإدارة شؤونهم.
والواقع هو أن للولايات المتحدة، كما لغيرها من «الدول الصديقة»، مصلحة أمنية أساسية في العراق. عراق مستقر قد «يلعب دورا حاسما في الحد من نفوذ إيران وقدرتها على تهديد جيرانها»، و«المساهمة في إبعاد إيران عن سوريا»، وتزويد تركيا بمفتاح «بديل» عن تعاونها الاقتصادي مع إيران، فضلاً عن تقديم دليل لدول جنوب الخليج أن إيران لا يمكن أن تسيطر على شمال الخليج أو التوسع جنوبا، والمساهمة في أمن «الدول الصديقة» كمصر وإسرائيل والأردن، بحسب كوردسمان.
وتابع الخبير أن «عراقاً مستقراً وآمناً» يؤكد أنه يمكن للسنة والشيعة أن يتعاونوا، وخاصة في «تقويض تهديد الإرهابيين والمتطرفين». كما يمكن أن يمنح «الأكراد المستقبل الذي يستحقونه ودمجهم في المنطقة».
كما أن الاستقرار قد يساعد العراق في الاستفادة من ثروته النفطية. وترى واشنطن أن هناك امكانية لتوسيع الإنتاج النفطي اليومي من 2.4 مليون برميل في 2008 إلى 2.6 مليون برميل في 2015، فأكثر من 3.1 مليون برميل في 2020. ويتوقع ان يرتفع هذا الإنتاج تدريجيا إلى 3.9 مليون برميل يوميا في 2025، بما يعوّض «تراجع الإنتاج لدى الدول المصدرة الرئيسية الأخرى».
ويمكن للعراق أن يلعب دورا رئيسيا في حماية امن الخليج برمّته، وذلك بالتعاون مع القوات الاميركية وقوات من دول الخليج الجنوبية. إذ بامكانه ضمان التدفق المستقر لصادرات النفط والغاز في كل أنحاء المنطقة.
وحذّر من أنه إذا اندلعت أزمة ما في الخليج، فإن أسعار النفط سترتفع، وربما لأجل طويل، مشيراً إلى أن «الولايات المتحدة تعتمد بشكل مطرد على صحة الاقتصاد العالمي، الذي يعتمد بدوره على تدفق صادرات النفط والغاز بشكل أساسي». فأسعار النفط ليست مجرد مسألة زيادة في البنزين أو تكاليف تدفئة منزلية، فهي تؤثر على كل وظيفة في الولايات المتحدة.
ورأى الخبير العسكري أن واشنطن، ما بعد الانسحاب، «لا تتحكم في العراق وإنما، فقط، لها نفوذ فيه». هذا ما تلخصه الحاجة العراقية للمساعدات الاميركية العسكرية والتدريب الاميركي لقوات الأمن والجيش العراقيين بالإضافة إلى تواجد أميركي دائم في منطقة الخليج المحيطة بالعراق. ووفقا للتقارير الأميركية تبقي واشنطن على خيار القتال إلى جانب العراقيين، إذا طلبوا ذلك، ووافقت الإدارة الأميركية.
بند المساعدات والتدريب يتركان الباب مفتوحا أمام التواجد الاميركي في العراق، معززاً بتواجد عسكري اميركي في كل الخليج، قوامه قاعدتان أساسيتان في الكويت والبحرين، وقاعدة عسكرية في قطر ومرافق طوارئ في سلطنة عمان والإمارات، وبعثة استشارية رئيسية في السعودية.
كل ذلك يعني، بحسب كوردسمان، أن بإمكان «واشنطن أن تنشر، وبسرعة، قوات إضافية على الأرض وتعزيز قدراتها الجوية والصاروخية والبحرية والدفاعات المضادة لها».
وهنا يكمن جوهر التعاون الاستراتيجي بين واشنطن وبغداد، فبانتشارها الخليجي تستطيع القوات الاميركية صدّ أي هجوم محتمل ضد العراق، إذا نصّ التعاون على ذلك. وباستطاعة الأميركيين توفير القوة الجوية، والاستخباراتية، وتموين القوات العراقية في حالات الطوارئ وتأدية مهمة مكافحة التمرد.
وشدد كوردسمان على دور الاقتصاد والدبلوماسية في تفادي الاقتتال الطائفي. برأيه، بإمكان نسبة محدودة من المساعدات الاقتصادية الأميركية أن تساعد على تسريع التنمية الاقتصادية وتعزيز قدرة الحكومة العراقية.
واعتبر أن وجود فريق المساعدة التابع لوزارة الخارجية من شأنه أن يحول العراق من اقتصاد يقوم على تدخل الدولة إلى اقتصاد مفتوح ومنوع، وأن يلعب دورا بارزا في أن يبرهن للعراقيين أن هناك أسبابا اقتصادية قوية لتجنب التوترات الطائفية والعرقية.
كما رأى أن وجود فريق مساعدة قوي يمزج بين الجهود الكبيرة التي تقوم بها كل من السفارة والقنصلية في البصرة وكركوك بالإضافة إلى وجود فرق إعادة الاعمار في المحافظات لا يساعد فقط في التنمية بل يوفر جهدا دبلوماسيا ومدنيا أساسيا لمساعدة العراقيين على تجاوز انقساماتهم الطائفية والعرقية.
ودعا كوردسمان إلى تقديم مساعدة فورية في العراق لبناء قوات الأمن، وتطوير قدرات الحكومة، وتطوير الاقتصاد، حيث يعتقد أن أي انسحاب متسرع للقوات الأميركــية أو أي تقليص في معونــة وزارة الخــارجية أو وزارة الدفاع من شأنه أن يقضي على أي فرصة لتعاون استراتيجي فاعل.
كما أن من شأن ذلك أن «يقوي إيران، والإرهابيين والمتطرفين في المنطقة، وأن يهدد حلفاءنا وأصدقاءنا». من هنا، «فإن دعم هذه الخطط سيوفر جهودا انتقالية ضرورية وحاسمة ستؤدي إلى إنشاء قاعدة لبناء شراكة استراتيجية دائمة، وسيساعد العراق على حل أزمته الاقتصادية والأمنية».
في المقابل، ينتقد كوردسمان إدارة أوباما إذ اعتبر أنها «لم تفعل شيئا يذكر لترجمة هذه الخطط سواء من حيث طبيعتها أو ضرورتها الملحة. فوزارة الخارجية أوقفت تقريبا إعداد التقارير عن العراق، ولم تقدم يوما تقريرا مفيدا حول فاعلية جهودها في المساعدة أو خططها للمستقبل». كما أن معظم التقارير المتوفرة حول الجانب المدني من المساعدة «موجودة في التقارير الربع سنوية التابعة للمفتشية العامة الخاصة لإعادة إعمار العراق»، وهي تقارير تركز فقط على «الماضي لا على المستقبل».
أما الأسوأ بنظر الخبير، فيتمثل في أن الجهود المتواصلة التي تقوم بها وزارة الخارجية لتقديم تقارير حقيقية حول مستقبل العراق قد تفقد التمويل المخصص لها.
كما ينتقد الكاتب التقرير ربع السنوي الذي تصدره وزارة الدفاع بعنوان «مؤشر الاستقرار والأمن في العراق»، كونه «يركز على انسحاب القوات الأميركية بدل أن يقدم اقتراحات أو توصيات حول ما ينبغي على واشنطن أن تقوم به لمساعدة القوات العراقية بعد مغادرة جنودها».
وما يزيد الأمر تعقيدا، بنظر كوردسمان، هو أن قوات الاحتلال «لم تقدم يوما أي رؤية واضحة حول دور الولايات المتحدة في المنطقة بعد الانسحاب من العراق»، وهو أمر «أدى إلى انتشار نظريات المؤامرة عند دول الخليج التي تعتقد أن واشنطن تغادر العراق دون أن تؤمن شريكا قويا لها».
ويقترح بحث كوردسمان على العراقيين «خمسة مفاتيح للتنمية» في بلادهم، بينها «مواجهة تحديات 2010، في عراق ما بعد الانتخابات»، وذلك «بمساعدة خارجية مستمرة»، من «اجل تجاوز الاختلافات الطائفية وتحقيق الاستقرار»، بالاضافة الى «النهوض بالاقتصاد، وتطوير صناعة النفط»، بحيث «تصبح ذات تأثير على عروض النفط العالمية».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق