شهادة أولى من أكبر خبراء أميركا الإستراتيجيين / واشنطن
يكشف خبير استراتيجي أميركي –ولأول مرة- أن أهداف الغزو الذي قادته الولايات المتحدة، محصورة في ثلاثة اتجاهات: تدمير الجيش والنظام البعثي واستبداله بحكومة موالية للولايات المتحدة. وأن الغزو الأميركي دمر "توازن القوة" بين العراق وإيران في الخليج العربي، وعجز عن "خلق البديل". وشدد الخبير على أن وجود حكومة دائمة تفرض النظام والاستقرار يقترن فقط بحل "الأزمة القاتلة" بين الشيعة والسّنّة، وبوجود قوات "جيش وشرطة" قادرة على إيقاف التدخل الإيراني .
وقال إن العراق لن يرى حكومة قوية تفرض سيطرتها الوطنية ما لم تستند الى قاعدة قوات أمنية وطنية البناء. وأكد الخبير أن بقاء "السُنّة العراقيين" في قتال مع الأميركان ومع الحكومة الشيعية، يعني بالضبط أن العراق لن يرى الاستقرار، وأن الجهاديين والإيرانيين لن تـُقطع أرجلهم عن التدخل في الشؤون العراقية.
وفي تحليل استراتيجي، حمل عنوان "ظلال على العراق"، كتبه جورج فريدمان، العالم الاستراتيجي الأمريكي الأشهر، ورئيس مؤسسة "ستراتفور" البحثية (مقرها تكساس)، والمعروفة بدراساتها المخابراتية الجيوبوليتيكة (الجغرافية-السياسية)، يقول: برحيل القوات المقاتلة من العراق، ثمة حاجة لعملية "جرد" للمتغيرات في البلد الذي تبادل مع أفغانستان لقب "الحرب المنسية".
ويشير فريدمان الى أن صفقة بقاء 50,000 من الجنود غير المقاتلين، تحمل الكثير من "بقايا القوات المقاتلة". ولهذا فإن "نهاية الحرب" مازالت بعيدة، لا كما يتحدث عن غير ذلك الكثيرون.
وأوضح المحلل الاستراتيجي في التحليل الذي نشرته صحيفة آسيا تايمز بترخيص من مؤسسة "ستراتفور"، أن الولايات المتحدة، غزت العراق لثلاثة أهداف؛ الأول، تدمير الجيش العراقي، والثاني تدمير النظام البعثي، أما الهدف الثالث، فهو استبدال ذلك النظام بـ"حكومة أميركية الولاء" ثابتة في بغداد. وقال إن الهدفين الأولين تحققا خلال أسابيع من بدء الغزو سنة 2003.
وبرغم مرور 7 سنوات، لم تزل بغداد بلا حكومة مستقرة، ناهيك عن كونها "أميركية الولاء"!. وأشار الى أن نمط الحكومة الحالية هو من النوع الذي يضع كامل هذه الاستراتيجية الأميركية في خطر.
وبيّن ان العيب الرئيس لاحتلال العراق لم يكن "إعدامه" أو "تدميره"، لكن في التوقعات السياسية التي جرى الأخذ بتطبيقاتها. وكما يعرف الأميركان، فإن المجتمع الشيعي العراقي ضد "النظام البعثي" لكنّه يتعرض بشكل ثقيل لنفوذ المخابرات الإيرانية.
وقرار تدمير "البعثيين"، وضع السُنّة الذين كانوا العمود الفقري لنظام صدام في موقع المستميتين. كما أن مواجهة جيش أميركي عدائي، ومجتمع شيعي عدائي للولايات المتحدة مدعوم من إيران على حد سواء، يجعل السُنّة يواجهون كارثة. وأخذهم للدعم من أيما مكان يستطيعون الوصول إليه –حتى من الجهاديين الأجانب الذين دخلوا العراق- شجعهم على الشروع في التمرّد ضد كلا الطرفين الأميركان والشيعة.
ويؤكد المحلل الاستراتيجي أن السّنّة ببساطة، ليس عندهم شيء يخسرونه. ومن وجهة نظرهم، أنهم يواجهون –في أحسن الأحوال- عملية إخضاع دائم وإبادة. والولايات المتحدة كان عندها خيار إيجاد "حكومة ذات أساس شيعي، لكنها أدركت في نهاية المطاف أن هذه الحكومة ستكون تحت تأثير النفوذ الإيراني. وخطأ التقدير في هذا السياق وضع الولايات المتحدة بشكل آني في حرب مع السُنّة، وفي حالة "شبه حرب" مع الكثيرين في المجتمع الشيعي، بينما أشعل السُنّة والشيعة حرباً أهلية فيما بينهم، والسُنّة من جانبهم قاتلوا الأكراد كذلك. ومنذ أواخر سنة 2003 وحتى سنة 2007، لم تكن الولايات المتحدة في حالة حرب في العراق، إنما في مواجهة "دولة تغمرها الفوضى".
وبرأيه أن الاستراتيجية الجديدة للجنرال ديفيد بيتريوس، تبرز إدراك أن الولايات المتحدة لا يمكن أن تهدّئ العراق، أو أن تكون في حالة حرب مع الجميع. وبعد هزيمة سنة 2006 في الانتخابات النصفية، كان المتوقع أن الرئيس الأميركي جورج بوش سيأمر بانسحاب القوات الأميركية من العراق. وبدلاً من ذلك، أعلن عن إرسال قوات "السورج" الإضافية (نحو 30,000 جندي). ولم تكن هذه القوات -في الحقيقة- تدفقاً كبيراً للقوات، لكنها خلقت مفاجأة سياكولوجية، تشير لا فقط الى أن الأميركان لن يغادروا العراق، إنما أنهم ليسوا في طريقهم الى المغادرة، كما كان يظن أصحاب التوقعات. وكل مراقب كان يفترض انسحاب القوات كان عليه أن يراجع حساباته.
ويتابع فريدمان تحليله: الأميركان فهموا أن المفتاح الرئيس هو "وضع المتمردين السُنّة". فهم طالما بقوا في حرب مع الأميركان ومع الشيعة، فلن تكون هناك أية احتمالات للسيطرة على الحالة في العراق. وعلاوة على ذلك، فقط السُنّة، يمكن أن يقطعوا "أرجل الجهاديين الأجانب" عن العمل في العراق وبشكل خاص داخل المجتمع السُنّي. وهؤلاء الجهاديون قد غيّروا "الزعامة التقليدية" للمجمتع السُنّي في العراق، وهذا ما جعل انقلاب السُنّة ضد الجهاديين عملية ليست صعبة. والسُنّة أيضاً مرعوبون من أن الولايات المتحدة ستنسحب، تاركة إياهم تحت "رحمة" الشيعة.
هذه الاعتبارات –برأي فريدمان- سوية مع المبالغ الكبيرة التي مُنحت للزعماء العشائريين السُنّة، تسببت في جعلهم يغيرون اتجاههم أي يقفون ضد التمرّد بكل أشكاله. وهذه النتيجة وضعت الشيعة في موقع الدفاع منذ الاصطفاف السُنّي مع الأميركان والذي مكـّنهم من توجيه ضربة للميليشيات الشيعية.
والجنرال بيتريوس من جانبه –يقول المحلل الاستراتيجي- ثبّت هذه الحالة، لكنه لم يربح الحرب. والحرب يمكن فقط أن تعتبر "محسومة" عندما تكون هناك حكومة مستقرة في بغداد، ويكون لها في الحقيقة القدرة على حكم العراق. ويمكن أن تشكل حكومة من خلال مشاورات بين ممثلي المجتمع العراقي، لكن ذلك لا يعني أن قراراتهم سيكون لها أية أهمية.
ولكي يكون ذلك، فإن الحاجة أساسية الى جيش عراقي يعزز الرغبة في وجود حكومة تحمي البلد من الدول المجاورة، وبشكل خاص من إيران (طبقاً لوجهة النظر الاميركية). ويجب أن تكون هناك أيضاً قوة شرطة لتعزيز حالة تطبيق القوانين وفرض النظام. وبحسب الرأي الأميركي، فإن مثل هذه الحكومة يجب أن تكون "أميركية الولاء" (هذا الهدف مختف حتى الآن كقضية فعالة) لكن الأمر المهم أن لا تكون الحكومة واقعة تحت النفوذ الإيراني.
ويقول فريدمان إن العراق ليس جاهزاً لتعزيز مثل هذه الرغبة بوجود حكومة من هذا النوع، لأنه ليس لديه حكومة فعلية. وسيتمتع العراق بحكومة من هذا الطراز فقط عندما يكون عنده قوات جيش وشرطة تكون قادرة على تعزيز هذه الرغبة في جميع أنحاء العراق. وسيمر وقت طويل قبل أن تستطيع هذه القوات قطع الطريق على التدخل الإيراني بنفسها. وكما هو الموقف الآن، فليس هناك حكومة، ولهذا فإن الاستقرار لا يتوفر في كل مكان من
العراق.
وأوضح فريدمان أن المشكلة الجيوبوليتيكية هي أن الأميركان يواجهون "نتائج خطيرة" لأنهم إذا ذهبوا، فإن إيران ستكون "القوة التقليدية الأقوى في الخليج العربي". والتوازن التاريخي للقوة كان بين العراق وإيران. والغزو الأميركي دمر الجيش العراقي والحكومة، والولايات المتحدة غير قادرة على خلق جيش وحكومة بديلين. وجزء من هذه المشكلة أن الإيرانيين عملوا على فشل الولايات المتحدة في إنجاز أهدافهم في هذا السياق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق