الأربعاء, 01 سبتمبر 2010 22:22 بقلم ـ جوديث ميلرو / ترجمة ـ يوسف جباعته
عندما تمت الإطاحة بنظام صدام حسين عام 2003، أعيد تشكيل القوات الأمنية والعسكرية العراقية، وتمت إعادة بناء البنية التحتية بشكل جزئي، وصار العراق مرشحاً لأن ينضوي من جديد تحت قائمة الدول الغنية، باعتبار أنه يملك ثالث أكبر احتياطي من النفط في العالم.
لكن إمدادات النفط الهائلة تلك قد تكون لعنة على العراق لا نعمة، فهي قد تشجع الحكومة العراقية على إدارة اقتصاد يرتكز على النفط فقط، دون الاهتمام بتطوير القطاع الخاص، أو تنويع الاقتصاد، ويشكل النفط، في الوقت الحاضر، 95 من عائدات الحكومة العراقية، وأكثر من 60% من الناتج المحلي الإجمالي، في الوقت، الذي لا يعمل في قطاع النفط سوى 1% من العراقيين.ويقول كنعان مكية، أستاذ الاقتصاد العراقي في جامعة برانديز، الأميركية، والذي يزور العراق كثيراً: « في الاقتصادات الحرة، فإن الحكومة تكون مسؤولة عن الأفراد المنتجين للثروات التي تدفع عنها الضرائب، بينما في الاقتصادات النفطية، فهناك نوع من الاستقلال الداخلي للطبقة السياسية، فهي لا تكترث لمطالب واحتياجات الناس، وتميل إلى الانعزال عنهم».في العراق، فإن معظم الوظائف حكومية، نظراً لأن القطاع الخاص ضعيف، وتمتلك الحكومة 90% من الأراضي، وتهيمن على الجزء الأكبر من إنتاجها، وفي السنوات الأخيرة الماضية، قدمت وزارتا الصناعة والشؤون الاجتماعية قروضاً بقيمة 5 .1 مليار دولار سنوياً، وهذا، على الأرجح، أكبر من القروض التي تقدمها كل البنوك العراقية مجتمعة.
أما في كردستان بشمال العراق، فإن الوضع يعد استثناء من مسيرة الاقتصاد المثبطة في العراق، فعلى الرغم من أسلوب الحكم الأوتوقراطي فيه، إلا أن الحكومة الإقليمية الكردية قد نجحت في فرض الأمن، وحررت القطاع الخاص من قيود الإجراءات الروتينية والبيروقراطية، واجتذبت 5 .3 مليارات دولار من الاستثمارات الأجنبية.
لهذا فإن المنطقة تزدهر من الناحية الاقتصادية، مع العلم أنها لا تصدر من النفط أكثر من 100 ألف برميل يومياً، معظمها إلى تركيا، المستثمر الأساسي في المنطقة، وهذا لا يشكل سوى كسر بسيط من صادرات بغداد من النفط، التي تصل إلى 4 .2 ملايين برميل يومياً.
ونجحت الحكومة الكردية في تزويد مواطنيها بـ 18 ساعة من الكهرباء يومياً، وذلك لأنها تعاقدت مع شركات خاصة لتأمين الكهرباء للإقليم، وبالمقارنة نجد أن بغداد لا تقدم لمواطنيها سوى 3 ساعات يومياً، ونتيجة للاحتجاجات المتواصلة والمظاهرات الشعبية، بسبب انقطاع التيار الكهربائي المتواصل هناك، اضطرت الحكومة للاستغناء عن وزير الكهرباء، ومع ذلك لم يتحسن الوضع.
في بغداد، ينظر الجميع للوزارات على أنها معاقل سلطة وامتيازات وإيرادات نفطية للنخبة السياسية المتصارعة، ومثل العديد من الدبلوماسيين الأميركيين، فإن معظم الوزراء العراقيين والمسؤولين البارزين لا يزالون يعيشون في المنطقة الخضراء، المحاطة بالجدران الأسمنتية والأسلاك الشائكة.
وهذه المنطقة معزولة، ليس فقط عن بغداد، وإنما عن 18 محافظة عراقية أخرى تعتمد بشكل كبير على بغداد لتأمين معيشتها وتصريف أمورها، فمحافظة الأنبار، على سبيل المثال، يقطنها 5 .1 مليون نسمة تقريباً، وهي بحاجة ل83 ألف وحدة سكنية.
كما ذكر محافظها، الذي يعيش في مجمع سكني شديد التحصين، وتخطط المحافظة للبدء بمشروع لبناء 16 ألف وحدة سكنية ومكتبية، بالإضافة إلى المقاهي والمطاعم الحديثة وقاعة معارض دولية، لكن هذه الطموحات تصطدم بواقع مرير، وهو أن المحافظة لا تستطيع بسط الأمن من أجل تشجيع الشركات الأجنبية على القدوم للمكان، والعمل فيه.
كما أن بغداد لا تستطيع ضمان ذلك في الوقت الحالي، وقد حدثت ثلاثة هجمات انتحارية كبيرة قريباً من بيت محافظ الأنبار، آخرها كان في يوليو الماضي، وأسفرت تلك الهجمات عن الكثير من الضحايا، كما فقد المحافظ خلالها يده اليسرى.
أما المسافة التي تفصل الرمادي، عاصمة الأنبار، عن بغداد فلا تتجاوز 60 ميلاً، لكن المسافر يحتاج إلى 3 ساعات لقطعها، نظراً لكثرة نقاط التفتيش بين المدينتين، وتضم بغداد أكثر من 1500 نقطة تفتيش، وهو الأمر الذي يؤكد أن الوضع الأمني لا يزال غير مستقر، إلى حد بعيد، في المنطقة.
تساؤلات مؤرقة
هل انتهت حرب العراق؟ وهل استحقت كل تلك التضحيات؟ ومن الفائز فيها في النهاية؟ إن الرئيس العراقي السابق وابنيه قضوا في الحرب، وهذه ما أرادته أميركا، وتم انتخاب البرلمان العراقي لثلاث مرات، وهذا يعتبر إنجازاً، غير أنه لا يوجد هناك أمن.
ففي العراق يقتل شهرياً مئات الناس، وآخر الإحصائيات، التي جمعها الأميركيون، تشير إلى أنه في يوليو الماضي قتل 222 عراقياً، لكن العراقيين، الذين تولوا الآن المسؤولية عن تسيير أمور بلادهم وليس من مصلحتهم المبالغة في عدد القتلى، فيقولون إن عدد قتلى يوليو الماضي كان 535 قتيلاً.
أما فيما يتعلق بالبنية التحتية، فالأمور لا تزال سيئة للغاية، حيث إن الناس لم يستطيعوا مواجهة موجة الحر التي شهدتها بغداد، أخيراً، إلا بتشغيل المراوح لمدة ساعتين في اليوم فقط، وهذا ناتج عن انقطاع التيار الكهربائي المتواصل هناك
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق