الأحد، 26 سبتمبر 2010

الوجه الاخر للمؤسسة الدينية الشيعية في العراق

14/3/1994
هاتف الحق لندن
نقول أن أكثر المعلومات الواردة في هذا التقرير تطابقت مع المعلومات التي بحوزتنا ، وتلك جاءت نتيجة لتحقيقنا عن انتخاب السيد السيستاني لموقع المرجعية العليا ، كما ان شخصيات بارزة في الوسط الديني رويت لنا دون سابق معرفة بهذا التقرير ما يطابق المقدار المتفق عليه منها، ومن هؤلاء العلامة السيد حسن الكشميري الخطيب المعروف في اوساط المنبر الحسيني ، والشيخ رياض حبيب الناصري ، وآية الله السيد أحمد الحسني البغدادي ، ونكرر لهذه الاسباب ارتأينا ان ننشر هذا التقرير بالكامل أولا، ثم نبدي ملاحظاتنا على بعض ما ورد فيه ، والذي نعتقد :
أولاً : ان التقدير المذكور يتحدث عن اسماء لم يذكرها ، وهي اسماء تنتمي الى بلدان مختلفة ، وكانت مشتركة في اعداد طبخة مرجعية الروحاني التي يذكر تفاصيل التقرير المذكور ، ومن هذه الاسماء هو رجل اسمه جعفر الاسكوني بن ميرزا علي (الحائري) واحد رموز الشيخية ، وكان في الستينات يدرس في كلية الالهيات ثم نزع العمامة بعد ذلك ، وعين موظف بوزارة الخارجية ، ثم ارسلته الخارجية الى الكويت بمنصب القائم بالاعمال في السفارة الايرانية الشاهنشاهية ، وبعدها عين سفيراً في بغداد لمدة سنتين ، ثم نقل سفيراً لطهران بالسعودية ، وعندما انتهت فترة تعيينه طلبت السعودية من الحكومة الايرانية آنذاك تمديد بقائه سفيراً لديها لاربع سنوات أخرى ، يتحدث العربية ، ومن مواليد كربلاء ويلقب بجعفر رائد ، أخذ يكتب فيما بعد في نشرة اسمها الموجز يصدرها مركز العلاقات الايرانية ــ العربية ويطرح مرجعية السيد محمد الروحاني عبر مقالات عن الوضع الشيعي في العالم ، والاسم الثاني هو السيد رضا الساعجي من أصل ايراني كان في عام 1968 مقيماً في كربلاء ، وهو على علاقة قوية مع العائلة الشيرازية ، تحول الى بغداد ، ثم اختفى ، حتى ظهر في جدة كتاجر مجوهرات ، وهو الان مقيم في السعودية ، ويحمل الجنسية السعودية ، ويشارك في بعض الاحيان مع الوفود الرسمية السعودية الاسلامية الى بعض الدول .
ومن هذه الاسماء التي كانت تجتمع في لندن ولها دور في طرح مرجعية الروحاني التي لم يذكرها التقرير المذكور هو محمد علي الشهرستاني ، ومصطفى جيتة كوكل و((لياقت علي بكيم)) ابن اخ ملا اصغر ، ومحمد الموسوي (الهندي) ، ومنذ العام 1985ــ 1986 كان هؤلاء أو بعضهم يجتمعون دورياً في لندن في فندق ((كمبرلند)) ينضم اليهم ايرانيون من المانيا وأميركا ، وينظم اليهم من السعودية عبد الله الخنيزي ، وكان يشارك في الاجتماعات د. علي رضا صاحب وزير الاقتصاد أيام وزارة هوشنك ، وأحيانا يحضر هذه الاجتماعات محمد علي الشيرازي (ابن السيد عبد الله) ، والشيخ الشاه آبادي ، وفيما كان محمد تقي الخوئي مصراً على ان يكون البديل لمرجعية ابيه هو محمد رضا الخلخالي ، فأن هؤلاء أقنعوه بخطة جلب الروحاني الذي لم يعلم بكل التفاصيل بدقة من ايران عبر لندن الى العراق ، وقد نسق الامر مع شخص اسمه لؤي كان مسؤولا للمخابرات العراقية بلندن ، فيما توسط شاه آبادي والسيد مهدي الروحاني لرفع منع سفر الروحاني من ايران لدى المسؤولين الايرانيين ، أما الشخص الذي حمل الجوازات الى السفارة البريطانية في دبي فهو السيد أحمد أخ زوجة السيد حسن الكشميري ، ولقد انزعج الروحاني الذي كان مقيماً في لندن في بيت فاضل الميلاني عندما ابلغه السيد محمد تقي الخوئي عبر الهاتف بأن مجيئه الى العراق بات أمراً مستحيلاً ، فرجع الى ايران فيما قامت السلطات الايرانية بحجز جوازات السفر لانها تحمل الفيزا العراقية ، وبعد عودة الروحاني الى ايران استقر رأيهم على رضا الخلخالي من جديدة ، الا أن هذا الاخير اعتقل ضمن (35) شخصا من الحوزة (العلمية) أثر فشل انتفاضة 1991م ، وفي ظل ضعف علاقات محمد تقي الخوئي وجماعته مع السيستاني ، بخلاف ما يفترض التقرير ولعداء تاريخي له مع جواد الكلبايكاني يحول دون احتكاكهم بمرجعية الكلبايكاني ، اضطروا ان يعودوا الى الروحاني ، الا انه طالبهم هذه المرة بتقرير للواردات المالية فيما هم يحاذرون من اعطاء أي تقرير خوفا من فاضل الميلاني العارف بكل شيء !!.. ، والذي تربطه علاقة قوية مع الروحاني بحيث ان هذا الاخير يستشيره بكل شيء ، فاضطرا الى ورقة السيستاني ، اذ لم يبق أمامهم غيره لحل المشكلة ، وعندما حسمت المرجعية للسيستاني اضطر الروحاني ان يبلغ محمد مهدي شمس الدين بأن الرسالة التي وصلته من السيستاني بالاشراف على مؤسسة الخوئي في لندن لم تكن حقيقية ، وان محمد تقي الخوئي هو الذي فبركها ، وهذا ما يفسر التصريحات التي أدلى بها شمس الدين فيما بعد ضد المؤسسة وتناقلتها الصحافة ، والتي سنأتي عليها في فصل لاحق ، ولم يحصل حسم المرجعية للسيستاني دون دور لحوزة النجف حتى قبل وفاة الخوئي حيث كان هنالك دور للسيد رضي الدين المرعشي بن السيد جعفر ، والشيخ مرتضى البروجردي ، والشيخ اسحاق الفياض .. فهؤلاء شاركوا، وغيرهم فيما بعد بالاتفاق مع محمد تقي بوضع الشروط على السيستاني من توقيع الوكالات المقترحة وغيرها !!..
ثانياً: كما ان التقرير المتقدم لم يذكر أياً من الاسماء الذين من المقرر ان يسافروا من ايران الى العراق عبر تركيا ليتحولوا الى جزء من حاشية الروحاني ، وأهم هذه الاسماء المعروفة هم : عبد الله لنكراني ، ومحمود الخليلي ، ومحمد حمامي ، واسماء اخرى بالامكان التعرف عليها في اوساط الحوزة القمية بشكل لا يدع مجالاً لأي شك في تفاصيل المعلومات الاساسية التي جاءت في التقرير باستثناء الملاحظات التي نحاول أن نوجزها نحن عبر هذه النقاط ، والا فان التفاصيل العامة لهذه الرواية يعرف بها الكثير من الرؤس الكبيرة والصغيرة في الحوزة القمية ، والحوزات الاخرى ، ولقد سألنا السيد حسن الكشميري عن صحة أن يكون أخو زوجته هو الذي نقل الجوازات الى السفارة البريطانية في دبي ، فأكد ذلك ، كما أكد كل هذه المعلومات الاخرى .
ثالثاً : جاء في التقرير ان شخصية السيستاني كانت شخصية (هادئة) ، الا ان هذا التوصيف يحتاج الى دقة اكبر ، فالذين عرفوا الرجل عن قرب وعايشوه ويقولون انه كان يفضل العزلة عن الاوساط الدينية والاجتماعية قبل تصديه للمرجعية ، فهو لم يلتق فضلاء الحوزة ، ولم يحتك بالمجتمع النجفي الا نادراً ، ولا يشترك في المناسبات الاجتماعية والدينية الا بشكل محدود ، وكان يذهب قبل بزوغ الشمس الى الكوفة للاستجمام لمدة ساعتين على شاطيء الفرات ، وعصراً يمارس رياضة المشي حول :( سور النجف ) بمعية ولده محمد رضا .
رابعاً أما من ناحية علميته المشهودة التي يفترضها التقرير فان الكثير من الخبراء في أوساط المؤسسة الدينية في النجف وقم لم يتفقوا مع هذا المنحى ، وقد حصل ما يشبه الانشقاق الداخلي العلمي كما بدا من منشورات الصحافة في حينها في اطار ترشيحه للمرجعية في الاوساط العلمية الدينية .
هذا من ناحية .. ومن ناحية أخرى فان المعروف عن السيد الخوئي انه لم يعط في حياته اجازة اجتهاد سواء على صعيد (الملكة) أو على صعيد الاجتهاد (المطلق) لأحد باستثناء الشهيد محمد باقر الصدر (شفاهة) ، ويعود السبب في ذلك الى ما يراه البعض من انه (عقدة) لدى السيد الخوئي ، علاقته بالميرزا النائيني الذي منح بعض تلاميذه اجازات اجتهاد ، الا انه لم يمنح الخوئي الاجازة عندما اطلع على البحوث التي قدمها الاخير اليه في اطار ما يعرف بأجود التقريرات التي كتبت حول محاضرات النائيني ، فلم يقل النائيني بأجتهاد الخوئي بتقريظه ، وبخط يده ، وعبر عنه بالعالم الفاضل ، وما حصل ان الاوساط النجفية فوجئت باجازة اجتهاد على صعيد (الملكة) منحها السيد الخوئي الى السيستاني ظهرت بعد وفاته ، وليس أثناء حياته ، الامر الذي دفع بعض هذه الاوساط بالتشكيك والقول انها اجازة مزورة ، لانها لم تكن بخط يد الخوئي ، ولم تصدر في أيام حياته ، ومن الممكن تزوير ختمه ، وهؤلاء يتحدثون بأن الروحاني ، والشيخ جواد التبريزي ، والشيخ الغروي الذين تعتبرهم الاوساط العلمية أكثر كفاءة من السيستاني بوصفهم درسوا دورات كاملة بالفقه خاصة ، الا ان السيد الخوئي لم يمنحهم اجازة اجتهاد !!..
ومن هنا يمكن القول ان الرسالة المرسلة من الخوئي ، والموقعة بختمه التي كان يحملها السيد الروحاني لا تعني بالضرورة اجازة اجتهاد انما هي رسالة دعوة هذا أولاً .. وثانياً : ليس من المؤكد والمعلوم ان هذه الرسالة مزورة ، او حقيقية ، وبغض النظر عن ذلك فان السيد محمد تقي الخوئي سلم رسالة الخوئي لوراثة المرجعية في بيت محمد علي الشهرستاني في لندن .
خامساً : أما فيما يتعلق باصرار السيد السيستاني بالبقاء في النجف الاشرف ، والذي لم يوضح التقرير أسبابه ، فالامر يعود ــ ولعل ذلك من الواضح ــ ان السيد السيستاني لو غادر النجف الى ايران فانه سيتحول الى واحد من مئات الاشخاص الذين يساوونه في المرتبة العلمية ، والذين هم أكبر مرتبة علمية منه في أوساط قم المقدسة من مراجع ومدرسين دينيين يحضر دروسهم الالاف من الطلبة من مختلف بلدان العالم ، لاسيما في ظل ازدهار وتنظيم الدراسة الدينية في قم بعد انتصار الثورة الاسلامية في ايران ، فالبقاء في النجف في مثل هكذا وضع أفضل للطامحين ، أو الذين يرون أنفسهم مؤهلين للتصدي من الخروج منها ، لأن أي مناخ ديني شيعي آخر لا يعطيهم فرصة تحقيق طموحاتهم ، وهذا ما يذكرنا بأسباب عودة الاصفهاني والنائيني الى العراق بشرط عدم التدخل في السياسة ، وأسباب هذه العودة التي تطرقنا لها في الفصل الاول من الكتاب .
سادساً : أما ما يرتبط بأن الخوئي أنابه لاقامة الصلاة نيابة عنه كبديل او كتأشير على فضله على الاخرين ، فان هذا لا يصمد في ظل حالات مشابهة حصلت في هذا المجال منها ان السيد الخوئي كان قد قدم آية الله السيد أسد الله المدني (التبريزي) لاقامة الصلاة نيابة عنه للأسباب تتعلق بعجزه في بعض الأوقات ، وانشغاله بالتدريس في أوقات أخرى .. ومنها أيضاً قول الشهيد الصدر الثاني الذي ذهب بنفسه وخاطب الخوئي قائلاً : ((أصحيح أنك أمرت السيستاني بأن يصلي الجماعة نيابة عنك ؟)) فنفى السيد الخوئي ذلك(1) .
سابعاً : وما جاء في التقرير من ان السيد السيستاني في شغل كرسي الخوئي بالتدريس ، والبحث في حياته ، فهذا ما لم يثبت من أحد من الذين سألناهم حول هذا الامر.
ثامناً : وجاء في التقرير ما معناه ان السيد الخوئي كان يحرم على أي أحد التصوير معه ، وترك هذا (الامتياز) للسيستاني كبطاقة دعاية في حملة تنصيبه ، فهذا الأمر هو الآخر لا يبدو دقيقاً ، بدليل ان الخوئي كان قد التقط صوراً عديدة مع آخرين كالسيد الحكيم والسيد الشاهرودي والسيد علي التبريزي في وفاة السيد محمد جواد الطباطبائي التبريزي ، وهذه الصور منشورة في كتاب ((مع علماء النجف الاشرف)) لمؤلفه السيد محمد الغروي ويمكن مشاهدتها في الكتاب .
هذا ما يرتبط بالتقرير المتقدم ، أما ما يمكن ان يشكل اضافة عليه ناحية استهدافه في محاولة اغتيال فاشلة له من قبل السلطة ، فان البعض يرى ان هذه المحاولة انطوت على ابعاد أخرى في عقل السلطة ، ولم يكن الهدف الحقيقي من ورائها اغتياله فعلاً .
نقول مع كل هذا الاحكام الذي سارت عليه الامور في المؤسسة الدينية في العراق ، ومع كل تلك الجهود التي بذلت قبل وبعد مرجعية السيستاني(2) ، ومع الاموال اللامعقولة التي استخدمت بأسمه .. الا ان الامور ــ أمور المرجعية في النجف ــ اضطرت بشكل واضح ، وتعددت أقطابها ، وحكمتها حالة من الصراعات بما لم يجعل من مرجعية السيستاني تلك (الهالة) التي حظيت بها مرجعية الخوئي .. وثانياً وهذا هو الاهم ، ان الخط التجديدي في المؤسسة الدينية في العراق (مات) مع موت الصدر الاول واستشهاده ، ولم يتصور أحد لا من قريب ولا من بعيد انه سيولد بالسرعة التي ولد فيها ، اذ ان هذه الولادة لم تكن ممكنة ولا متصورة في ظل اجواء خارجية وداخلية لا تسمح بها اطلاقاً .. الا ان رجلاً مثل الشهيد محمد صادق الصدر استطاع ان يخلق هذا الممكن في صيرورة غريبة وسريعة ومذهلة ، ولم تمثل تتويجاً طبيعياً لمسار الاحداث السابقة لها ، أي انها جاءت بما يشبه التمرد المنظم على الخنق المنظم لمؤسسة النجف الدينية ، لتكرر بذلك صورة اقرب الى ما أقدم عليه الشهيد الصدر الاول ببعده الاحتجاجي الرافض لواقع المؤسسة والسلطة معاً ، لكن دون البعد التنظيمي الكافي الذي انطوت عليه تجربة الصدر الثاني .
هكذا بدا التيار التجديدي من أوائل عقد الستينيات حتى الان في المؤسسة الدينية في العراق ، تيار يمثله رمزان فقط هما : الصدران الأول والثاني يتخذان قراراً فريداً على ما يمكن التعبير عنه مجازاً (الموت ، الاستشهاد ، الانتحار) من اجل كسر الطوق والحصار المفروض على التيار التجديدي من النظام من جهة ، ومن خط المؤسسة التقليدي من جهة اخرى .. قارن بين هذه الصورة للتيار التجديدي للمؤسسة في العراق ، وبينه في ايران خلال اربعين عاماً .. ايران بمسار تيارها الكاسح المتصاعد ما قبل الدولة وما بعدها ، والعراق بضمور تياره الى رمزين استشهاديين ، صحيح انهما تركا أثراً توعوياً هائلاً في العقل العراقي ، ولكننا بلحاظ المقارنة مع تيار ايران التجديدي نجد انفسنا أمام مفارقة لا وجه فيها للتشابه والتوازن والمعقولية ، وأمام خسارة مفجعة وفادحة لقائدين نموذجين لم يسمح لهما بمواصلة المسيرة .
وعودة المؤسسة الدينية في العراق بعد الصدرين ستضعنا امام مشهد آخر يبقى فيه السيستاني مميزاً كـ (مرجع أعلى) الا انه مشهد تتعدد فيه رموز المرجعية التقليدية من جديد ، مشهد يتصارع فيه المتصارعون في الداخل والخارج ، ولقد كان الأكثر تواجداً في الخارج هو السيد السيستاني ، لا بشخصه ، ولكن بمن يمثله في ايران ، وغيرها من الدول ، ولتشكل ظاهرته سياقاً خاصاً في ادارتها لهذا الصراع ، وفي الامور (الخرافية) كأداة حاضرة بقوة تميز هذه الظاهرة عن غيرها ، فليس هناك من أحد يسأل عن مصدر هذا المال .. هذا أولاً ، وثانياً : مهما قيل عن طريقة توزيع هذه الاموال واستخدامها من وجهات نظر متباينة معارضة ومؤيدة لادارة ((زعيمها)) ومقررها الاول السيد جواد الشهرستاني فان الاشكالية لا ترتبط بالشخص بقدر ما ترتبط بالمبدأ الذي لم يخضع لضابط ، أو قانون ، أو أساس من أي نوع كان ، اذ قد يكون الشهرستاني فعلاً أفضل من غيره في ادارة هذه الاموال والتصرف بها ، الا اننا نكرر بأن الاشكالية أكبر من ذلك ، ومن هنا فان ظاهرة السيستاني المالية بادارة الشهرستاني أوجدت ظاهرة ذات تجل اجتماعي واضح ، ظاهرة تتكون من ناحية الحواريين ، والشعراء، والخطباء ، والوجهاء ، والحواشي المعممين .. الذين يشكلون فريقاً من المستقبلين والمودعين والمدافعين ، تتكون من ناحية ثانية من المثقفين ، وأصحاب المشاريع ، وشريحة من المحتاجين الذين يرون ان الصدام العلني مع هذه الظاهرة ، أو حتى الكلام فيها خطأ حسب مقولة : ((اننا اذا قارنا ادارة أموال السيستاني مع ادارة الاموال الاخرى للمؤسسة الدينية فالشهرستاني أفضلهم جميعاً ، وأكثرهم استجابة لحاجة الساحة الاجتماعية )).
فيما ان الشق الثالث من الناس يتنامى في داخله حقد وألم وبغض وارتداد على هذا الواقع الذي يشاهدون ، وبالامكان رصد ذلك من خلال معايشة الواقع الاجتماعي ، فهذا الأمر ليس سراً من الاسرار نحاول ان نكشف عنه نحن ، ولا حتى المعلومات التي وردت حول مرجعية السيستاني والمرجعيات الأخرى ((العليا)) باتت سراً .. وهذا هو في الواقع السبب المركزي الذي يدعونا الى كتابتها وتدوينها في محاولة لطرحها على جادة الترشيد والعلاج ، لأن المحصلة النهائية لـ ((جيش)) الحاقدين على هذا الواقع والناقدين له ، لا يعرف أحد بالضبط الى اين سيقذف بالواقع الاسلامي.. في المستقبل ؟ هذا هو الدافع من دراسة هذه الظاهرة ، وهذا هو الدافع مما أسميناه بضرورة الخطاب الرقمي في الواقع الاسلامي بدل الخطاب التمجيدي ، والتعميمي ، والاطلاقي ، والمفاهيمي .. الذي سنأتي عليه لاحقاً ، اذ وان قل الناطقون والكاتبون لهذه الظاهرة ، وان كثر الساكتون عليها فالتجربة أثبتت أن هذا البلد العراق بحالته الاسلامية هو بلد الصيرورات اللا متشابهة والصدامات والمفاجآت .. كما دلل على ذلك القرن الماضي ، وهذا الاحتقان الاجتماعي حول ظاهرة السيستاني المالية ، او غيره .. قد يجعل مسار العمل الاسلامي في العراق محكوماً لصدمات لاحقة .
اذن .. نحن لسنا في ساحة تحد أخلاقي ، أو ساحة تحد في قول الحقيقة ، أو النطق بها بقدر ما ان الجميع عليهم ان ينظروا الى تطورات المستقبل الاجتماعي ــ الديني على ضوء ما هو حاصل .
ونختم هذه الفقرة بالقول أن مؤسسة دينية عراقية بهذه المواصفات دفعت الكثيرين الى انتقادها انتقادا لاذعا حتى من ابنائها ورموزها ، ولابراز صورة من صور هذا النقد ننشر هنا نص رسالة وردتنا من آية الله السيد أحمد الحسني البغدادي حول كتابنا ((محمد باقر الصدر بين دكتاتوريتين)) التي كشفت في احدى فصولها ملابسات الصراع داخل هذه المؤسسة .
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل الباحث العراقي عادل رؤوف ــ دام عزه ــ
سلاما اسلامياً خالصاً .. ودعوات لاستئناف الحياة الحرة الكريمة لشعبنا المظلوم .. بعد أن تلاقفته المنافي ، وابتلعته أمواج البحار ، ومزقت جسده ألغام الحدود .
وبعد .. قرأت كتابكم القيم : ((محمد باقر الصدر بين دكتاتوريتين)) في أوقات التعطيل .. لمست فيه اشراقة في الصياغة والتعبير ، وفي التحليل والتوثيق .. ولمست فيه من ثورة نشعر فيها الطمأنينة والامن والاستقرار .. نشعر ان ناقوس الخطر قد انتهى من حساباتنا ، فسوف نجد حينئذ الأبواب مفتوحة على مصراعيها للتعبير عن هذه الموهبة العارمة مقتحمة جسورةً لا تمنعها حملات التشهير والتكفير التي تشن من هنا ومن هناك ، حرسك الله ورعاك في مواصلة مسارك المعرفي عن مجتمعنا ، وتحرير دراساتك عن عراقنا في اطار النقد والنقد الذاتي ، والموقف الثوري ضد الظلم والظالمين ، وضد الخيانة والخائنين ، وضد التدلس والمتدلسين ، فان معنى تصديك لهذا، أو ذاك ، أو لهذه الشريحة ، أو تلك .. يجعلك لا تخاف شيئاً ، ولا تخشى أحداً ، وتمارس جهادك الدؤوب على كل الجبهات .. أمراً بالمعروف ، ونهياً عن المنكر ، وجهاداً بالكلمة الهادفة .. هذا هو دورك المرسوم في المؤسسة الدينية ، بل هذا هو وجودك في المجتمع العراقي .
ان تقييمك لرائد المدرسة التجديدية ، وطرحك لآيديولوجيته الاسلامية الحضارية .. أثرى المكتبة العربية .. يعد كتابك نقلة نوعية في هذا الزمن المعولم المتوحش الضائع بمعناه الواسع الشامل ، فهذا هو المسار الثوري الذي يصل بنا الى الغاية التي نحن نبتغيها قبل فوات الاوان .. وهذا هو الحل الوحيد لتحرير الفكر والعقيدة ، وتحرير المثقف والفقيه ، من الظلم والظلام ، من التأخر والانحطاط ، من الرجعية والعملاء ، من الانكماش والانطواء ، من سوء الادراك ، من سوء الفهم ، من سوء التطبيق ، لنصنع الغد الزاهر المرجو ، ثم لتكون لنا آيديولوجيا في عملية صيرورة الزمن .
ان تقييمك لمؤسس خط رسالي جهادي تعبوي أصيل كان يتألق ويدوي صداه بسرعة خاطفة عبر محاضراته ومؤلفاته ، ويفتح في نفوس شعبه آيات المجد والخلود .. مهما كانت حملات التحريض التي تنسب اليه !! .. يعد كتابك صرخة مدوية على دكتاتورية المؤسسة الدينية التي تنتسب الى الشريعة الاسلامية ظلماً وعدوانا ، وتدرس فقه الشريعة وقلبها عنه بعيد ، ولا تأخذه عقيدة رسالية حركية ، ولا تتقي الله ولا ترهبه ، وانما تدرسه لتتأول وتحتال باسم تضخيم العناوين الثانوية ، والحيل الشرعية وتوجهه كيف تشاء في تلبية الرغبات والاطماع حيثما انكشف لها ان هناك مصلحة ذاتية تنجز ، وان هناك شيئاً من أشياء هذه الدنيا يكسب .
من هنا ــ يا أخي ــ نريد ان تكشف لنا الشيء الكثير عن هؤلاء الرموز الحوزوية المتسترين والمحترفين باسم الدين ، الذين تحولت حياتهم المعيشية الضيقة الى قصور شامخة ، وحياة مترفة في دول الخليج ، وأوربا، وأميركا الاستكبارية ، وتحاسبهم من أين لكم هذا من خلال كتاباتك الموثقة .
ان تقييمك لهذا المفكر الاستثنائي ليس على مستوى رجال عصره وحسب ، ولكن على مدى زمن ليس بقصير تبنى آليات الوحدة في اطار التوحيد والرسالة ، وتبنى آليات التغيير في اطار المرجعية والحركية ، بعيداً عن انماط الانهزامية والمذهبية !!.. يعد كتابك اكتشافاً جديداً في الرؤية والتشخيص ، وفي بلورة المسار والنظرية ، والله يحفظك ويرعاك بدعاء .
أحمد الحسني البغدادي
دمشق 28 صفر 1422 هـ
ان هذه الرسالة عندما تصدر من مجتهد أو فقيه من فقهاء النجف الاشرف ، فأنها تعتبر عن درجة هائلة من الاحتقان والاختناق الذي باتت تعيشه هذه المؤسسة ، وتعبر بشكل آخر عن درجة مؤلمة من درجات اليأس والاحباط والشعور العميق الغاضب على ما يدور داخلها من ظواهر خطيرة تتعلق بالاموال والدكتاتورية والصراعات والقيادات المخلصة التي تقتل بألسن بعض رجال المؤسسة قبل أن تقتل برصاصات السلطة ، انها مؤسسة تقتل أفذاذها ومفكريها وقاداتها البارعين ، وتلك ظاهرة تحتاج الى مزيد من التفكير العميق .. لأن هذه المؤسسة حسب نص البغدادي المتقدم تنتسب الى الشريعة الاسلامية ظلماً وعدواناً.
عراق بلا قيادة
للمفكر العراقي عادل رؤوف
الهوامش
1ــ راجع كتاب السفير الخامس لعباس الزيدي للمزيد من المعلومات في هذا الاطار .
2 ــ منذ توفي الخوئي راحت مؤسسته في لندن تصدر البيان حول المرجع الجديد ونحن نحتفظ بعدد مهم من هذه البيانات ، نكتفي هنا بايراد احدها وهو بيان يتعلق بموقف المؤسسة من ترشيح السيستاني فيما يلي نصه : (( بسم الله الرحمن الرحيم
بعد أن منيت الامة الاسلامية جميعاً بوفاة المرجع الديني الاعلى الامام أبو القاسم الخوئي ــ رضوان الله عليه ــ ، ينبغي أن ننوه الى أن اغلب الفقهاء الموجودين اما يوجبون البقاء على تقليد الاعلم بعد وفاته أو يجوزون ذلك ، واليكم التفصيل :
1 ــ ذكر الامام الخوئي (قدس سره) انه : ( اذا قلد مجتهداً فمات ، فان كان أعلم من الحي وجب البقاء على تقليد الاعلم ، عمل بفتواه أم لم يعمل .
2 ــ ويرى سماحة السيد علي السيستاني ــ دام ظله ــ وجوب البقاء على تقليد الاعلم ، عمل بفتواه أم لم يعمل .
3 ــ ويرى سماحة السيد عبد الاعلى السبزواري ــ دام ظله ــ : اذا قلد مجتهداً فمات فان كان أعلم من الحي وجب البقاء على تقليده في ما عمل به من المسائل وفي ما لم يعمل .
4 ــ ويقول سماحة الشيخ الآراكي ــ دام ظله ــ : اذا عمل بفتوى الميت في حياته مقدراً معتداً به ، بانياً على الحمل في ما بقي من المسائل ، فالظاهر جواز البقاء على فتواه في ما عمل وفي ما لم يعمل . تعليقه الشيخ الآراكي على العوروة الوثقى المسألة (9) .
5 ــ ويرى سماحة السيد محمد الروحاني ــ دام ظله ــ وجوب البقاء على تقليد الاعلم حتى في المسائل التي لم يعمل بها ، ما دام الدليل المسوغ لتقليد الاعلم ، والرجوع اليه صالحاً للاستناد عليه .
6 ــ ويرى سماحة السيد علي البهشتي ــ دام ظله ــ وجوب البقاء على تقليد الاعلم في المسائل التي عمل بها والتي لم يعمل بها على حد سواء .
7 ــ ويرى سماحة السيد حسن القمي الاحتياط الواجب في البقاء على تقليد الاعلم ، (تعليقة العروة الوثقى) المسألة (9) ).
8 ــ المأذون والوكيل عن المجتهد في التصرف في أموال القاصرين ، وقبض الحقوق الشرعية ينعزل بموت المجتهد .
أسماء الفضلاء والمجتهدين حفظهم الله والذين يرون أعلمية آية الله العظمى سماحة السيد المرجع الديني السيد علي السيستاني (دام ظله).
1 ــ الفقيه السيد علي البهشتي (النجف) .
2 ــ العلامة السيد رضا المرعشي (النجف) .
3 ــ العلامة الشيخ مرتضى البروجردي (النجف) .
4 ــ العلامة الشيخ جعفر النائيني (النجف) .
5 ــ العلامة الشيخ هادي آل راضي (قم) .
6 ــ العلامة الشيخ محمد باقر الايرواني (قم) .
7 ــ العلامة الشيخ أحمد المددي (قم) .

ليست هناك تعليقات: